فقراء جنوب أفريقيا .. ضحايا لكأس العالم !

وراء بريق المونديال :فقراء جنوب أفريقيا .. ضحايا لكأس العالم !

مليارات وتجديدات
غلابة العشوائيات
كساد للبائعين
كواليس المونديال
ماوراء بريق المونديال
اعداد / د. هند بدارى
جنوب أفريقيا .. تجتذب الأن أنظار العالم أثناء متابعة مباريات مونديال 2010 ،لكنها تثير التساؤلات عن مدى نجاحها فى تجاوز حواجز الفقر والمشاكل الداخلية من أجل اثبات جدارتها بتنظيم مثل هذا العرس الكروى، لأول مرة بالقارة السمراء ،حيث تحفل جنوب أفريقيا-الملقبة بدولة"قوس قزح"-بالتناقضات الصارخة لكونها مجتمعاً متعدد الأعراق والألوان واللغات والثقافات .
العودة إلي أعلي مليارات وتجديدات
وبينما تجاوزت مصروفات بطولة كأس العالم المقامة بجنوب أفريقيا 17 مليار دولار، منها 2.4 مليار دولار على بناء 5ملاعب جديدة وتجديد 5 آخرى الى جانب إنفاق 15 مليار دولار على قطاع المواصلات والبنية التحتية داخل البلاد.. نجد حوالي 50 ٪ من السكان لا يزالون يعيشون حياة الفقراء.


ولذا يزعم المنتقدون أن أكبر حدث لكرة القدم في العالم لن يفعل شيئا يذكر لمساعدة الفقراء بالبلاد فى ظل تحد يواجه الحكومة الجنوب أفريقية بعد الانتهاء من سياسة الفصل العنصرى "الأبارتايد" عام 1994 ، فالمدن التي كان يسكنها السود ما زالت تعتمد على نظام نقل ضعيف ، ومدارس متدهورة لا تؤهل الطلبة لدخول سوق العمل ، ما يدفع بهم نحو المخدرات وعالم الجريمة. فى حين يرى المؤيدون أن هناك فوائد إقتصادية من استضافة حدث رياضى كبير مثل توفير فرص العمل وزيادة عدد السياح ،تستحق هذه الاستثمارات الضخمة.


فى المقابل يأمل 23 % من سكان البلاد ( نسبة العاطلين عن العمل) أن تكون البطولة منصة لانطلاق جنوب أفريقيا اقتصادياً ،حيث تأتى معدلات بطالة بها ، ضمن أعلى معدلات البطالة المزمنة في العالم.

العودة إلي أعلي غلابة العشوائيات
رغم اعلان حكومة جنوب أفريقيا أن المليارات التي أنفقتها على بناء "الاستادات "وتحسين البنية التحتية توفر وظائف وترفع مستوى المعيشة وتظهر التقدم داخل البلاد ، برزت عدة مشاكل خاصة بين أوساط الفقراء ومحدودى الدخل حيث نشبت احتجاجات على ترحيل السكان من مساكن مجاورة "للاستادات" الى أماكن غير لائقة .
وتعالت صيحات ناشطى حقوق الإنسان منددة بقيام السلطات في جنوب أفريقيا بإجبار الآلاف من الفقراء على الانتقال إلى "بليكيسدورب" وعشوائيات أخرى لتبدو شوارع وملاعب بلادهم بصورة جيدة في نهائيات كأس العالم .
وقد كشفت هذه الشكاوى عن فجوة واسعة بين الأثرياء والفقراء في جنوب أفريقيا، بعد سنوات من انتهاء سياسة التمييز العنصري.. فالكثير من الفقراء يرون أن الحكومة أخطأت في تحديد أولوياتها ،مشيرين إلى أن وضعهم في واقع الأمر سيزداد سوءً بعد "المونديال".
ويتساءلون : "لماذا لم يستخدم المسئولون الأموال التي أنفقوها على البطولة في بناء منازل مناسبة بدلا من هذه الأماكن الضيقة التي نعيش فيها؟!.. فربما تكون كأس العالم مهمة لذوي النفوذ، لكنها لا تعني شيئا بالنسبة إلينا حيث نعيش في شبه معسكرات اعتقال ".
وسبق أن أعلنت راكويل رولنيك مقررة خاصة تابعة للأمم المتحدة فى تقريرعن الإسكان المناسب في مارس (آذار) 2010،أن مدناً مثل "كيب تاون" أعطت أولوية للتجميل والمظاهر على حساب احتياجات السكان المحليين، وأرجأت مشاريع إسكان محدودي الدخل حينما تأخر بناء "الاستادات" في مواعيدها المحددة .. مشيرة الى أن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) لم يبذل الكثير من أجل التعامل مع المخاوف المرتبطة بالإسكان.
واستهدف "الفيفا "بالترحيل نحو 20.000 شخص من مستوطنة جوي سلوفو، وهي منطقة عشوائية بالقرب من مطار "كيب تاون" أجريت عليه تعديلات مؤخراً، من أجل ترويج مساكن الإيجار خلال نهائيات كأس العالم إلا أن السكان حصلوا على حكم محكمة جعل ترحيلهم مكلفاً بدرجة كبيرة، مما دفع السلطات المحلية إلى التخلي عن الخطة، ولكن بعد ترحيلها الآلاف،إذ تواجه حالياً مدن مثل "كيب تاون" نقصا كبيرا في المساكن، مما يدفع الفقراء إلى الإقامة في مناطق عامة أو شغل مباني خالية أو حتى العيش في الطرق الجانبية.
العودة إلي أعلي كساد للبائعين
ولم تقتصر مشاكل الفقراء على ترحيلهم من مساكنهم بل امتدت الى أرزاق الباعة الجائلين نتيجة اشتراط الاتحاد الدولى لكرة القدم في التعاقد تخصيص منطقة تجارية لشركائه التجاريين ورعاة البطولة حول أماكن المباريات، ما أثار غضب الباعة المتجولين الذين بادروا بالاعتصام منذ مايو /آيار 2010 قبيلانطلاق فعاليات المونديال في سويتو أمام مركز تابع للفيفا، ودعوا إلى إنهاء عمليات الترحيل التي تتم بالقرب من الملاعب،وتمنعهم من الاستفادة من السياح القادمين لحضور كأس العالم.
وفي أماكن أخرى، وقعت مواجهات بين البائعين المتجولين والشرطة عندما كانت تسعى إلى مصادرة بضائعهم لتطهير الشوارع قبل افتتاح البطولة . وأشار معلقون محليون إلى أن "الاستادات الجديدة" ستفقد قيمتها رغم تكلفتها الكبيرة بعد انتهاء الكأس .
ورغم خسائر وضحايا "المونديال" ، يأمل بعض الخبراء الاقتصاديين أن يجلب الاستثمارات لبلادهم في ظل أزمة اقتصادية عالمية خانقة حيث منح تنظيم كأس العالم لجنوب إفريقيا فرصة لتعزيز مسيرة التنمية، إذ تدفقت على البلاد مبالغ مالية فاقت المليار دولار إضافة إلى الموارد الأخرى التي سيوفرها حوالي نصف مليون سائح يزورون البلاد طيلة فعاليات الحدث .
العودة إلي أعلي كواليس المونديال
و رغم كل الصعاب تبدو مدن الدولة المضيفة لمباريات الكأس متألقة صاخبة مبتهجة من مختلف أنحاء المعمورة، لكن خلف الكواليس تظهر طقوس تفاعل الفقراء السود مع مباريات منتخبهم الوطني.
فالفقر لم يمنعهم من الاستمتاع بكأس العالم وتشجيع فريقهم الوطني ،ولكن داخل الأزقة المقفرة تظهر معاناة الناس وهم ينتظرون مباراة منتخبهم الوطني التى قد تنسيهم مشاكلهم حيث لا مقاعد هناك، فالكل يفترش الأرض لكي يشاهد كرة القدم .
وفى محاولة من الفقراء لالقاء همومهم وراء ظهورهم ، والحلم بفوز يجلب الفرح من قريب أو بعيد ، كانوا يعزفون ويرقصون كل عشر دقائق تمر قبل المباريات التى يلعب بها منتخبهم الوطنى.


ملعب بدائى
وفى زاوية هامشية من الصورة ، مشهد كروي يبدو غريباً لملعب لكرة القدم بمنطقة شعبية ،الطرق التي تصل إليه أكثر وعورة من أرضية الملعب نفسه ،لكن رغم هذه المشقة يذهب مجموعة من الفتية إليه للتمرين تحت لهيب الشمس فقط لأنه لا كهرباء في تلك الملاعب بل في تلك الضواحي .
والأغرب أن بعض الصبية يلعب دون أحذية ،فهى متعتهم المفضلة وشاغلهم الشاغل حيث لا عمل ولا تعليم ،ولا مظاهر للحياة التي تجدها في العاصمة "جوهانسبرج"،فهم لا يمتلكون حتى آلة "الفوفوزيلا" التي اشتكي منها اللاعبون هناك ،والتي تملأ كل شبر بجنوب افريقيا .


بين الأغنياء والفقراء
وتعكس جنوب إفريقيا صورة مصغرة لعالم اليوم الذي تزداد فيه الفوارق بين الأغنياء والفقراء, فهناك طبقة من الناس تمتلك المصانع والمزارع وتعيش في مدن تضاهي مدن أوروبا في تنظيمها وخدماتها، بينما تعيش الأغلبية الفقر والحرمان والجهل والمرض في المناطق السكنية العشوائية.
وهى من الدول الخمس التي تدعى إلى الاجتماع السنوي لقمة الدول الثمانية الأغلى في العالم,و أيضا من دول مجموعة العشرين. كما تعتبر مدينة جوهانسبرج المحور الاقتصادي والتجاري الأساسي في جنوب أفريقيا، حيث تساهم بحوالي 12% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويسود العالم جدل حول تصنيف جنوب إفريقيا بالنسبة إلى باقي دول العالم، فهى متقدمة من ناحية ونامية من ناحية اخرى ، لكنها تعد الأغنى والأكثر تنمية بين دول القارة السمراء حيث تعتبر دولة متقدمة صناعيا وزراعيا، وغنية بمواردها الطبيعية، ومتطورة في نظاميها المالي والقانوني، وتصنف بين أكبر 20 سوقا للأسهم في العالم, ولديها بنية تحتية حديثة، خاصة بقطاعات: الاتصالات، الطاقة والنقل.
وحسب تقدير الأمم المتحدة ،تأتي جنوب إفريقيا في المرتبة الـ 25 من حيث مستوى الإنتاج القومي و تتجاوز قيمة صادراتها الصناعية والزراعية 80 مليار دولار سنوياًً، وتسعى للانضمام الى الدول المتقدمة في الصناعات ذات التقنية العالية مثل الفضاء والصناعات الحيوية . وتساهم في كثير من المشاريع العلمية في العالم.. فأكثر من 64 % من الأبحاث العلمية في إفريقيا من نصيب جنوب إفريقيا .
ويصل عدد سكانها الى نحو 51 مليون نسمة ،وفق تقرير الأمم المتحدة لعام 2009، ينتمون إلى 4 مجموعات عرقية رئيسية ، هي( نجوني ، السوتو ،تسونجا وفندا)، ومن أشهر قبائلها "الزولو" صاحبة أقوى ثقافات السود الذين حافظوا على شكل القبيلة الأفريقية المميز ويتخذون المظاهرات وسيلة للتعبير عن ثقافة المملكة المكونة من عشائر على رأس كل منها زعيم .
وهناك 11لغة رسمية متداولة بالدولة ، منها اللغة الإنجليزية التي يتكلم بها السود، إضافة إلى لغة "الأفريكانا" بين معظم السكان البيض، ولغة الزولو لدى بعض القبائل .
وقد منحت جمهورية جنوب إفريقيا الاستقلال عن بريطانيا العظمى عام 1931، فأصبحت عضواً بالأمم المتحدة، ثم جمهورية عام 1961 ، وفي عام 1990 تم إطلاق سراح الزعيم "نيلسون مانديلا" من السجن بعد (27) عاماً ، ليتم بعد خروجه إلغاء سياسة الفصل العنصري ،وشهد عام 1994 إجراء انتخابات حرة واختياره كأول رئيس أسود للبلاد، لكن لا تزال الخلافات العرقية مستمرة بعد نهاية نظام التفرقة العنصرية.

ورغم زهوة الانفراد بأول استضافة لكأس العالم على أرض أفريقيا ،ومتعة معايشة أجواء وبهجة الحدث إلا أن محاربة الفقر والايدز والارتقاء بمستوى حياة أغلبية الناس ، هى البطولة الحقيقية لجنوب إفريقيا من وجهة نظر البسطاء !